الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان **
قال: كان يزيد بن أبي سفيان وجه معاوية إلى سواحل دمشق سوى أطرابلس فإنه لم يكن يطمع فيها. فكان يقيم على الحصن اليومين والأيام اليسيرة فربما قوتل قتالًا غير شديد وربما رمى ففتحها. قال: وكان المسلمون كلما فتحوا مدينة ظاهرة أو عند ساحلٍ رتبوا فيها قدر من يحتاج لها إليه من المسلمين فإن حدث في شيء منها حدثٌ من قبل العدو سربوا إليها الإمداد. فلما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى معاوية يأمره بتحصين السواحل وشحنتها وإقطاع من ينزله إياها القطائع ففعل. وحدثني أبو حفص عن سعيد بن عبد العزيز قال: أدركت الناس وهم يتحدثون أن معاوية كتب إلى عمر بن الخطاب بعد موت أخيه يزيد يصف له حال السواحل فكتب إليه في مرمة حصونها وترتيب المقاتلة فيها وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقيدلها. ولم يأذن له في غزو البحر. وأن معاوية لم يزل بعثمان حتى أذن له في الغزو بحرًا وأمره أن يعد في السواحل إذا غزا أو أغزى جيوشًا سوى من فيها من الرتب وأن يقطع الرتب أرضين ويعطيهم ماجلا عنه أهله من المنازل ويبنى المساجد ويكبر ماكان ابتنى منها قبل خلافته. قال الوضين: ثم إن الناس بعد انتقلوا إلى السواحل من كل ناحية. حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه. عن جعفر بن كلاب الكلابي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى علقمة ابن عوف بن الأحوض بن جعفر بن كلاب حوران وجعل ولايته من قبل معاوية. فمات بها. وله يقول الحطيئة العبسي - وخرج اليه فكان موته قبل وصوله وبلغه أنه في الطريق يريده فأوصى له بمثل سهم من سهام ولده: - فما كان بيني لو لقيتك سالمًا وبين الغنى الا ليال قلائل وحدثني عدة من أهل العلم منهم جار لهشام بن عمار أنه كانت لأبي سفيان بن حرب أيام تجارته الى الشام في الجاهلية ضيعة بالبلقاء تدعى بقبش فصارت لمعاوية وولده. ثم قبضت في أول الدولة وصارت لبعض ولد أمير المؤمنين المهدي رضي الله عنه. ثم صارت لقوم من الزياتين يعرفون ببني نعيم من أهل الكوفة. وحدثني عباس بن هشام عن أبيه. عن جده قال: وفد تميم بن أوس أحد بني الدار بن حبيب من لخم ويكني أبا رقية على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أخوه نعيم بن أوس فأقطعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حبرى وبيت عينون ومسجد ابراهيم عليه السلام فكتب بذلك كتابًا. فلما افتتح الشام دفع ذلك إليهما. فكان سليمان بن عبد الملك إذا مر بهذه القطعة لم يعرج وقال: أخاف ان تصيبني دعوة النبي صلى الله عليه وسلم. وحدثني هشام بن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب عند مقدمه الجابية من أرض دمشق مر بقوم مجذمين من النصارى فامر أن يعطوا من الصدقات وأن يجرى عليهم القوت. وقال هشام: سمعت الوليد بن مسلم يذكر أن خالد بن الوليد شرط لأهل الدير الذي يعرف بدير خالد شرطًا في خراجهم بالتخفيف عنهم حين أعطوه سلمًا صعد عليه. فأنفذه لهم ابو عبيدة. ولما فرغ أبو عبيدة من أمر مدينة دمشق سار إلى حمص فمر ببعتبك فطلب اهلها الأمان والصلح فصالحهم على أن أمنهم على أنفسهم واموالهم وكنائسهم وكتب لهم: بسم الله الحمن الرحيم. هذا كتاب أمان لفلان بن فلان وأهل بعلبك رومها وفرسها وعربها على انفسهم وأموالهم وكنائسهم ودورهم داخل المدينة وخارجها وعلى أرحائهم وللروم أن يرعوا سرحهم ما بينهم وبين خمسة عشر ميلًا ولا ينزلوا قرية عامرة. فإذا مضى شهر ربيع وجمادي الأولى ساروا إلى حيث شاؤا. ومن أسلم منهم فله مالنا وعليه ما علينا ولتجارهم أن يسافروا إلى حيث أرادوا من البلاد التي صالحنا عليها وعلى من أقام الجزية والخراج. شهد الله وكفى بالله شهيدًا. أمر حمص حدثني عباس بن هشام عن أبيه. عن أبي مخنف ان أبا عبيدة بن الجراح لما فرغ من دمشق قدم أمامه خالد بن الوليد وملحان بن زيار الطائي ثم اتبعهما. فلما توافوا بحمص قاتلهم أهلها ثم لجأوا إلى المدينة وطلبوا الأمان والصلح فصالوه على مئة الف وسبعين الف دينار. قال الواقدي وغيره: بينما المسلمون على أبواب دمشق إذ أقبلت خيل للعدو كثيفة فخرجت إلبهم جماعة من المسلمين فلقوهم بين لهيا والثنية فولوا منهزمين نحو حمص على طريق قارا. واتبعوهم حتى وافواحمص. فألفوهم قد عدلوا عنها. ورآهم الحمصيون وكاتوا منخوبين لهرب هرقل عنهم وما كان يبلغهم من قوة كيد المسلمين وبأسهم وظفرهم فاعطوا بايديهم وهتفوا بطلب الأمان. فأمنهم المسلمون وكفوا أيديهم عنهم. فأخرجوا اليهم العلف والطعام وأقاموا على الأرنط - يريد الأرند وهو النهر الذي ياتي أنطاكية ثم يصب في البحر بساحلها - وكان على المسلمين السمط بن الأسود الكندي فلما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق استخلف عليها يزيد بنأبي سفيان ثم قدم حمص على طريق بعلبك فنزل بباب الرستن فصلحه أهل حمص على أن امنهم على انفسهم واموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد واشترط الخراج من أقام منهم. وذكر بعض الرواة أن السمط بن الأسود الكندي كان صالح أهل حمص فلما قدم أبو عبيدة امضى صلحه وأن السمط قسم حمص خططًا بين المسلمين حتى نزلوها واسكنهم في كل مرفوض جلا أهله او ساحة متروكة. وحدثنا أبو حفص الدمشقي. عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما افتتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق استخلف يزيد بن أبي سفيان على دمشق وعمرو بن العاص على فلسطين وشرحبيل على الأردن. وأتى حمص فصالح اهلها على نحو صلح بعلبك. ثم خلف بحمص عبادة بن الصامت الانصاري ومضى نحو حماة فتلقاه اهلها مذعنين فصالحهم على الجزية في رؤسهم والخراج في أرضهم. فمضى شيزر فخرجوا يكفرون ومعهم المقلسون ورضوا بمثل ما رضي أهل حماه. وبلغت خيله الزراعة والقسطل ومر أبو عبيدة بمعرة حمص وهي تنسب إلى النعمان بن بشير فخرجوا يقلسون بين يديه. ثم أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك واذعنوا بالجزية والخراج واسلم أمر حمص فكانت حمص وقنسرين شيئًا واحدًا. وقد اختلفوا في تسمية الأجناد فقال بعضهم: سمى المسلمون فلسطين جندًا لأنه جمع كورًا وكذلك دمشق وكذلك الأردن وكذلك حمص مع قنسرين. وقال بعضهم: سميت كل ناحية لها جند يقبضون أطماعهم بها جندًا. وذكروا أن الجزيرة كانت إلى قنسرين فجندها عبد الملك بن مروان أي أفردها فصار جندها يأخذون أطماعهم بها من خراجها. وأن محمد بن مروان كان سأل عبد الملك تجنيدها ففعل. ولم تزل قنسرين وكورها مضمومة إلى حمص حتى كان يزيد بن معاوية فجعل قنسرين وإنطاكية ومنبج وذواتها جندا. فلما استخلف أمير المؤمنين الرشيد هارون بن المهدي أفرد قنسرين بكورها فصير ذلك جندًا واحدًا وأفرد منبج ودلوك ورعبان وقورس وإنطاكية وتيزين وسماها العواصم. لأن المسلمين يعتصمون بها فتعصمهم وتمنعهم إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر. وجعل مدينة العواصم منبج فسكنها عبد الملك بن صالح بن علي في سنة ثلاث وسبعين ومئة وبنى بها وحدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز وحدثني موسى ابن إبراهيم التنوخي عن أبيه عن مشايخ من أهل حمص قال: استخلف أبو عبيده عبادة بن الصامت الأنصاري على حمص. فأتى اللاذقية فقاتله أهلها. فكان بها باب عظيم لا يفتحه إلا جماعة من الناس. فلما رأى صعوبة مرامها عسكر على بعدٍ من المدين. ثم أمر أن تحفر حفائر كالأسراب يستتر الرجل وفرسه في الواحدة منها. فاجتهد المسلمون في حفرها حتى فرغوا منها. ثم إنهم أظهروا القفول إلى حمص فلما جن عليهم الليل عادوا إلى معسكرهم وحفائرهم وأهل اللاذقية غارون يرون أنهم قد انصرفوا عنهم. فلما أصبحوا فتحوا بابهم وأخرجوا سرحهم. فلم يرعهم إلا تصبيح المسلمين إياهم ودخولهم من باب المدينة. ففتحت عنوةً ودخل عبادة الحصن ثم علا حائطه فكبر عليه. وهرب قوم من نصارى اللاذقية إلى اليسيد ثم طلبوا الأمان على ا يتراجعوا إلى أرضهم. فقوطعوا على خراج يؤدونه قلوا أو كثروا وتركت لهم كنيستهم وبنى المسلمون باللاذقية مسجدًا جامعًا بأمر عبادة ثم إنه وسع بعد. وكانت الروم أغارت في البحر على ساحل اللاذقية فهدموا مدينتها وسبوا أهلها وذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز حتى حرز مدينة اللاذقية وفرغ منها والذي أحدث يزيد بن عبد وحدثني أبو حفص الدمشقي قال: حدثني سعيد بن عبد العزيز وسعيد بن سليمان الحمصي قالا: ورد عبادة والمسلمون السواحل ففتحوا مدينة تعرف ببلة على فرسخين من جبلة عنوةً. ثم إنها خربت وجلا عنها أهلها. فأنشأ معاوية بن أبي سفيان جبلة. وكانت حصنًا للروم جلوا عنه عند فتح المسلمين حمص وشحنها. وحدثني سفيان بن محمد البهراني عن أشياخه قالوا: بني معاوية لجبلة حصنًا خارجًا من الحصن الرومي القديم. وكان سكان الحصن الرومي رهبانًا وقومًا يتعبدون في دينهم. وحدثني سفيان بن محمد قال: حدثني أبي وأشياخنا قالوا: فتح عبادة والمسلمون معه أنطرطوس وكان حصنًا ثم جلا عنه أهله. فبنى معاوية أنطرطوس ومصرها وأقطع بها القطائع وكذلك فعل بمرقبة وبلنياس. وحدثني أبو حفص الدمشقي قال عن أشياخه قالوا: افتتح أبو عبيده اللاذقية وجبلة وأنطرطوس على يدي عبادة بن الصامت. وكان يوكل بها حفظةً إلى انغلاق البحر. فلما كانت شحنة معاوية السواحل وتحصينه إياها وحدثني شيخ من أهل حمص قال: بقرب سلمية مدينة تدعى المؤتكفة اتقلبت بأهلها فلم يسلم منهم إلا مئة نفسٍ فبنوا منزل وسكنوها فسميت حوزتهم التي بنوا فيها سلم مئة. ثم حرف الناس اسمها فقالوا: سلمية. ثم إن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس اتخذها وبنى وولده فيها ومصروها ونزلها قوم من ولده. وقال ابن سهم الإنطاكي: سلمية اسم رومي قديم. وحدثني محمد بن مصفى الحمصي قال: هدم مروان بن محمد سور حمص. وذلك أنهم كانوا خالفوا عليه فلما مر بأهلها هاربًا من أهل خرا سان اقتطعوا بعض ثقله وماله وخزائن سلاحه. وكانت مدينة حمص مفروشة بالصخر فلما كانت أيام أحمد بن محمد بن أبي إسحاق المعتصم بالله شغبوا على عاملهم الفضل بن قارن الطبري أخي مازيار ابن قارن فأمر بقلع ذلك الفرش فقلع. ثم إنهم أظهروا المعصية وأعادوا ذلك الفرش وحاربوا الفضل بن قارن حتى قدروا عليه وأنهبوا ماله ونساءه وأخذوه فقتلوه وصلبوه فوجه أحمد بن محمد إليهم موسى بن بغا الكبير مولى بأمير المؤمنين المعتصم بالله فحاربوه وفيهم خلق من نصارى المدينة ويهودها. فقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم باقيهم حتى ألحقهم بالمدينة ودخلها عنوةً وذلك في سنة خمسين ومائتين. وبحمص هري يرده قمح وزيت من السواحل وغيرها مما قوطع أهله عليه وأسجلت لهم يوم اليرموك قالوا: جمع هرقل جموعًا كثيرة من الروم وأهل الشام وأهل الجزيرة وأرمينية تكون زهاء مائتي ألف وولى عليهم رجلًا من خاصته وبعث على مقدمته جبلة بن الأيهم الغساني في مستعربة الشام من لخم وجذام وغيرهم وعزم على محاربة المسلمين فإن ظهروا وإلا دخل بلاد الروم فأقام بالقسطنطينية. واجتمع المسلمين فزحفوا إليهم فاقتتلوا على اليرموك أشد قتال وأبرحه. واليرموك نهر. وكان المسلمون يومئذ أربعة وعشرين ألفًا. وتسلسلت الروم وأتباعها يومئذ لئلا يطمعوا أنفسهم في الهرب فقتل الله منهم زهاء سبعين ألفًا وهرب فلهم فلحقوا بفلسطين وإنطاكية وحلب والجزيرة وأرمينية. وقاتل يوم اليرموك نساءٌ من نساء المسلمين قتالًا شديدًا وجعلت هند بنت عتيبة أم معاوية بن أبي سفيان تقول: عضدوا الغلفان بسيوفكم. وكان زوجها أبو سفيان خرج إلى الشام تطوعًا وأحب مع ذلك أن يرى ولده وحملها معه ثم إنه قدم المدينة فمات بها سنة إحدى وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة ويقال إنه مات بالشام. فلما أتى أم حبيبة بنته نعيه دعت في اليوم الثالث بصفرة فمسحت بها ذراعيها وعارضتها وقالت: لقد كنت عن هذا عنية لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تحد امرأة على ميت سوى زوجها أكثر من ثلاث. ويقال: إنها فعلت هذا الفعل حين أتاها نعي أخيها يزيد. والله أعلم. وكان أبو سفيان بن حرب أحد العوران ذهبت عينة يوم الطائف. قالوا: وذهب يوم اليرموك عن الأشعث بن قيس وعين هاشم ابن عتبة بن أبي وقاص الزهري وهو المر قال وعين قيس بن مكشوح. واستشهد عامر بن أي وقاص الزهري وهو الذي كان قدم الشام بكتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيده بولايته الشام. ويقال بل مات في الطاعون. وقال بعض الرواة: استشهد يوم أجنادين. وليس ذلك بثبت. قال: وعقد أبو عبيده لحبيب بن مسلمة الفهري على خيل الطلب فجعل يقتل من أدرك. وأنحاز جبلة بن الأيهم إلى الأنصار فقال: أنتم اخوتنا وبنو أبينا. وأظهر الإسلام. فلما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام سنة سبع عشرةً لاحى جبلة رجلًا من مزينة فلطم عينه فأمره عمر بالاقتصاص منه فقال: أوعيته مثل عيني والله لا أقيم ببلد على به سلطان. فدخل بلاد الروم مرتدًا. وكان جبلة ملك غسان بعد الحارث بن أبي شمر. وروى أيضا أن جبلة أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على نصرا نيته. فعرض عمر عليه الإسلام وأداء الصدقة فأبى ذلك وقال: أقيم على ديني وأؤدي الصدقة. فقال عمر: إن أقمت على دينك فأد الجزية فأنف منها. فقال عمر: ما عندنا لك إلا واحدة من ثلاث: إما الإسلام وإما أداء الجزية وإما الذهاب إلى حيث شئت. فدخل بلاد الروم في ثلاثين ألفًا. فلما بلغ ذلك عمر ندم. وعاتبه عبادة بن الصامت فقال: لو قبلت منه الصدقة ثم تألفنه لأسلم. وإن عمر رضي الله عنه وجه في سنة إحدى وعشرين عمير بن سعد الأنصاري إلى بلاد الروم في جيش عظيم وولاه الصائفة. وهي أول صائفة كانت وأمره أن يتلطف لجبلة بن الأيهم ويستعطفه بالقرابة بينهما ويدعوه إلى الرجوع إلى بلاد الإسلام على أن يؤدى ما كان بذل من الصدقة ويقيم على دينه. فسار عمير حتى دخل بلاد الروم وعرض على جبلة ما أمره عمر بعرضه عليه فأبى إلا المقام في بلاد الروم. وانتهى عمير إلى موضع يعرف بالحمار وهو وادٍ فأوقع بأهله وأخربه. فقيل: أخرب من جوف حمار. قالوا: ولما بلغ هرقل خبر أهل اليرموك وإيقاع المسلمين بجنده هرب من إنطاكية إلى قسطنطينية. فلما جاوز الدرب قال: عليك يا سورية السلام! ونعم البلد هذا للعدو. يعني أرض الشام لكثرة مراعيها. وكانت وقعة اليرموك في رجب سنة خمس عشرة. قال هشام بن الكلبي: شهد اليرموك حباش بن قيس القشيري فقتل من العلوج خلقًا وقطعت رجله وهو لا يشعر. ثم جعل ينشدها. فقال سوار ابن أوفى: ومنا ابن عتابٍ وناشد رجله ومنا الذي أدى إلى الحي حاجبًا يعني ذا الرقيبة. وحدثني أبو حفص الدمشقي قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: بلغني أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك ردوا على أهل حمص ما كانو أخذوا منهم من الخراج وقالوا: شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم. فقال أهل حمص: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم. ونهض اليهود فقالوا: والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن تغلب ونجهد. فأغلقوا الأبواب وحرسوها. وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنا عليه وإلا فأنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد. فلما هزم الله الكفرة وأطهر المسلمين فتحوا مدنهم وأخرجوا المقلسين فلعبوا وأدوا الخراج. وسار أبو عبيده إلى جند قنسرين وإنطاكية ففتحها. عن جده قال: أبلى السمط بن الأسود الكندي بالشام وبحمص خاصة وفي يوم اليرموك. وهو الذي قسم منازل حمص بين أهلها. وكان ابنه شرحبيل بن السمط بالكوفة مقاومًا للأشعث بن قيس الكندي في الرياسة. فوقد السمط إلى عمر فقال له: يا أمير المؤمنين! إنك لا تفرق بين السبي وقد فرقت بيني وبين ولدي فحوله إلى الشام أو حولني إلى الكوفة. فقال: بل أحوله إلى الشام. فنزل حمص مع أبيه. أمر فلسطين حدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن أشياخه وعن بقية ابن الوليد عن مشايخ من أهل العلم قالوا: كانت أول وقعة واقعها المسلمون الروم في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أرض فلسطين وعلى الناس عمرو ابن العاص. ثم إن عمر بن العاص فتح غزة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم فتح بعد ذلك سبسطية ونابلس على أن أعطاهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومنازلهم ثم فتح يبنى وعمواس وبيت جبرين واتخذ بها ضيعةًً تدعى عجلان باسم مولى له وفتح يافا ويقال فتحها معاوية. وفتح عمرو رفح على مثل ذلك. وقدم عليه أبو عبيدة بعد أن فتح قنسرين ونواحيها وذلك في سنة ست عشرة وهو محاصر إيلياء وإيلياء مدينة ببيت المقدس. فيقال إنه وجهه إلى إنطاكية من إيلياء وقد غدر أهلها ففتحها ثم عاد فأقام يومين أو ثلاثة. ثم طلب أهل إيلياء من أبي عبيده الأمان والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام من أداء الجزية والخراج والدخول في ما دخل فيه نظراؤهم على أن يكون المتولي للعقد لهم عمر بن الخطاب نفسه. فكتب أبو عبيده إلى عمر بذلك. فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق ثم صار إلى إيلياء فأنفذ صلح أهلها وكتب لهم به. وكان فتح إيلياء في سنة سبع عشرة. وقد روى في فتح إيلياء وجه آخر. حدثني القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن الخطاب بعث خالد بن ثابت الفهمي إلى بيت المقدس في جيش وهو يومئذ بالجابية فقاتلهم فأعطوه على ما أحاط به حصنهم شيئًا يؤدونه ويكون المسلمين ما كان خارجًا. فقدم عمر فأجاز ذلك ثم رجع إلى المدينة. وحدثني هشام بن عمار عن الوليد عن الأوزاعي أن أبا عبيده فتح قنسرين وكورها سنة ست عشرة. ثم فلسطين فنزل إيلياء فسألوه أن يصالحهم. فصالحهم في سنة سبع عشرة على أن يقدم عمر رجمه الله فينفذ ذلك ويكتب لهم به. وحدثني هشام بن عمار قال: حدثني الوليد بن مسلم عن تميم ين عطية عن عبد الله بن قيس قال: كنت فيمن تلقى عمر مع أبي عبيده مقدمة الشم فبينما عمر يسير إذ لقيه المقلسون من أهل أذر عات بالسيوف والريحان. فقال عمر: مه امنعوهم. فقال أبو عبيده: يا أمير المؤمنين هذه سنتهم أو كلمة نحوها وإنك إن منعتهم منها يروا أن في نفسك نقضًا لعهدهم. فقال: دعوهم. قال: فكان طاعون عمواس سنة ثمان عشر فتوفى فيه خلق من المسلمين منهم أبو عبيده بن الجراح. مات وله ثمان وخمسون سنة وهو أمير. ومعاذ ابن جبل أحد بني سلمة من الخزرج ويكنى أبا عبد الرحمن. توفى بناحية الأقحوانة من الأردن وله ثمان وثلاثون سنة. وكان أبو عبيده لما احتضر استخلفه ويقال استخلف عياض بن غنم الفهري ويقال بل استخلف عمرو بن العاص. فاستخلف عمرو ابنه ومضى إلى مصر. والفضل بن العباس ابن عبد المطلب ويكنى أبا محمد وقوم يقولون إنه استشهد بأجناد ين والثبت أنه توفى في طاعون عمواس. شرحبيل بن حسنة ويكنى أبا عبد الله مات وهو ابن تسع وستين سنة. وسهيل بن عمرو أحد بنى عامر بن لؤي ويكنى أبا يزيد. والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وقيل إنه استشهد يوم أجناد ين. قالوا: ولما أتت عمر بن الخطاب وفاة أبي عبيده كتب إلى يزيد ابن أبي سفيان بولاية الشام مكانه وأمره أن يغزو قيساري. ويقال قوم: إن عمر إنما ولى يزيد الأردن وفلسطين وأنه ولى دمشق أبا الدر داء وولى حمص عبادة بن الصامت. وحدثني محمد بن سعيد قال: حدثني الواقدي قال: اختلف علينا في أمر قيسارية فقال قائلون: فتحها معاوية وقال آخرون: بل فتحها عياض بن غنم بعد وفاة أبي عبيده وهو خليفته وقال قائلون: بل فتحها عمرو بن العاص وقال قائلون: خرج عمرو بن العاص إلى مصر وخلف ابنه عبد الل. فكان الثبت من ذلك والذي اجتمع عليه العلماء أن أول الناص الذي حاصرها عمرو بن العاص نزل عليها في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. فكان يقيم عليها ما أقام فإذا كان للمسلمين واليرموك ثم رجع إلى فلسطين فحاصرها بعد إيلياء ثم خرج إلى مصر من قيسارية. وولى يزيد بن أبي سفيان بعد أبي عبيده فوكل أخاه معاوية بمحاصرتها وتوجه إلى دمشق مطعونًا فمات بها. وقال غير الواقدي: ولى عمر يزيد بن أبي سفيان فلسطين مع ما ولاه من أجناد الشام وكتب إليه يأمره بغزو قيسارية وقد كانت حوصرت قبل ذلك فنهض إليها في سبعة عشرة ألفًا فقاتله أهلها ثم حصرهم ومرض في آخر سنة ثمان عشرة فمضى إلى دمشق واستخلف على قيسارية أخاه معاوية بن أبي سفيان ففتحها وكتب إليه بفتحها فكتب به يزيد إلى عمر. ولما توفى يزيد بن أبى سفيان كتب عمر إلى معاوية بتوليته ما كان يتولاه فشكر أبو سفيان ذلك له وقال: وصلتك يا أمير المؤمنين رحم. وحدثني هشام بن عمار قال: حدثني الوليد بن مسلم عن تميم بن عطية قال: ولى عمر معاوية بن أبي سفيان الشام بعد يزيد وولى معه رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والقضاء. فولى أبا الدر داء قضاء دمشق والأردن وصلاتهما وولى عبادة قضاء حمص وقنسرين وصلاتهما. وحدثني محمد بن سعيد عن الواقدي في إسناده قال: لما ولى عمر بن الخطاب معاوية الشام حاصر قيسارية حتى فتحها وقد كانت حوصرت نحوًا من سبع سنين وكان فتحها في شوال سنة تسع عشرة. وحدثني محمد بن سعد عن محمد بن عمر عن عبد الله بن عامر في إسناده قال: حاصر معاوية قيسارية حتى يئس من فتحها وكان عمرو بن العاص وابنه حاصراها ففتحها معاوية قسرًا فوجد بها من المرتزقة سبع مئة ألف ومن السامرة ثلاثين ألفًا ومن اليهود مائتي ألف ووجد بها ثلاث مئة سوق قائمة كلها وكان يحرسها في كل ليلة على سورها مئة ألف. وكان سبب فتحها أن يهوديًا يقال له يوسف أتى المسلمين ليلًا فدلهم على طريق في سرب فيه الماء إلى حقو الرجل على أن أمنوه وأهله وأنفذ معاوية ذلك. ودخلها المسلمون في الليل وكبروا فيها فأراد الروم أن يهربوا من السرب فوجدوا المسلمين عليه. وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه. وكان بها خلق من العرب وكانت فيهم شقراء التي يقول فيها حسان بن ثابت: تقول شقراء لو صحوت عن الخمر لأصبحت مثرى العدد ويقال إن اسمها شعثاء. وحدثني محمد بن سع عن الواقدي في إسناده أن سبى قيسارية بلغوا أربعة آلاف رأس. فلما بعث به معاوية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بهم فأنزلوا الجرف. ثم قسمهم على يتامى الأنصار وجعل بعضهم في الكتاب والأعمال للمسلمين. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أخدم بنات أبي أمامه أسعد بن زرارة خادمين من سبى عين التمر فماتا فأعطاهن عمر مكانهما من سبى قالوا: ووجه معاوية بالفتح مع رجلين من جذام ثم خاف ضعفهما عن المسير فوجه رجلًا من خثعم فكان الخثعمي يجهد نفسه في السير والسرى وهو يقول: أرق عيني أخو جذام أخى جشمٍ وأخو حرام كيف أنام وهما أمامي إذ يرحلان والهجير طام فسبقهما ودخل على عمر فكبر عمر. وحدثني هشام بن عمار في إسناد له لم أحفظه أن قيسارية فتحت قسرًا في سنة تسع عشرة. فلما بلغ عمر فتحها نادى إن قيسارية فتحت قسرًا. وكبر وكبر المسلمون. وكانت حوصرت سبع سنين وفتحها معاوية. قالوا: وكان موت يزيد بن أبي سفيان في آخر سنة ثمان عشرة بدمشق. فمن قال إن معاوية فتح قيسارية في حياة أخيه قال إنما فتحت في آخر سنة ثمان عشرة ومن قال إنه فتحها في ولايته الشام قال فتحت في سنة تسع عشرة وذلك الثبت. وقال بعض الرواة: إنها فتحت في أول سنة عشرين. قالوا: وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى معاوية يأمره بتتبع ما بقي من فلسطين. ففتح عسقلان صلحًا بعد كيد. ويقال: إن عمرو بن العاص كان فتحها ثم نقض أهلها وأمدهم الروم وحدثني بكر بن الهيثم قال: سمعت محمد بن يوسف الفاريابي يحدث عن مشايخ من أهل عسقلان أن الروم أخرجت عسقلان وأجلت أهلها عنها في أيام ابن الزبير. فلما ولى عبد الملك بن مروان بناها وحصنها ورم أيضًا قيسارية. وحدثني محمد بن مصفى قال: حدثني أبو سليمان الرملي عن أبيه أن الروم خرجت في أيام ابن الزبير إلى قيسارية فشعثتها وهدمت مسجدها. فلما استقام لعبد الملك بن مروان الأمر رم قيسارية وأعاد مسجدها وأشحنها بالرجال وبنى صور عكا الخارجة وكانت سبيلهما مثل سبيل قيسارية. وحدثني جماعة من أهل العلم بأمر الشام قالوا: ولي الوليد بن عبد الملك سليمان بن عبد الملك جند فلسطين. فنزل لد. ثم أحدث مدينة الرملة ومصرها. وكان أول ما بنى منها قصره والدار التي تعرف بدار الصباغين. وجعل في الدار صهريجًا متوسطًا لها. ثم اختط للمسجد خطةً وبناه فولى الخلافة قبل استتمامه. ثم بنى فيه بعد في خلافته ثم أتمه عمر بن عبد العزيز ونقص من الخطة وقال: أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذي اقتصرت بهم عليه. ولما بنى سليمان لنفسه أذن للناس في البناء فبنوا. واحتفر لأهل الرملة قناتهم التي تدعى بردة واحتفر آبارًا وولى النفقة على بنائها بالرملة ومسجد الجماعة كاتبًا له نصرانيًا من أهل لد يقال قالوا: وقد صارت دار الصباغين لورثة صالح بن علي بن عبد الله ابن العباس لأنها قبضت مع أموال بني أمية. قالوا: وكان بن أمية ينفقون على آبار الرملة وقناتها بعد سليمان ابن عبد الملك. فلما استخلف بنو العباس أنفقوا عليها. وكان الأمر في تلك النفقة يخرج في كل سنة من خليفة بعد خليفة فلما استخلف أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم بالله أسجل بتلك النفقة سجلًا فانقطع الاستثمار وصارت جارية يحتسب بها العمال فتحسب لهم. قالوا: وبفلسطين فروزٌ بسجلات من الخلفاء مفردةٌ من خراج العامة وبها التخفيف والردود. وذاك أن ضياعًا رفضت في خلافة الرشيد وتركها أهلها فوجه أمير المؤمنين الرشيد هرثمة بن أعين لعمارتها. فدعا قومًا من مزارعها وأكرتها إلى الرجوع إليها على أن يخفف عنهم من خراجهم ولين معاملتهم فرجعوا فأولئك أصحاب التخافيف. وجاء قوم منهم بعد فردت عليهم أرضوهم على مثل ما كانوا عليه فهم أصحاب الردود. وحدثني بكر بن الهيثم قال: لقيت رجلًا من العرب بعسقلان. فأخبرني أن جده ممن أسكنه إياها عبد الملك وأقطعه بها قطيعةً مع من أقطع من المرابطة. قال: وأراني أرضًا. فقال: هذه من قطائع عثمان بن عفان.
|